فصل: تفسير الآية رقم (251):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}.
دَعَوْا بالأمر المعنوي وهو الصبر وبالحسي والمراد بتثبيت الأقدام عدم الرجوع على الأعقاب، وليس المراد الوقوف في موضع واحد وابتدؤوا في الدعاء بالصبر لأنه سبب في تثبيت الأقدام.
قاله الزمخشري: أي هب لنا ما نثبت به من القوة والرعب في قلب العدو ونحوه من الأسباب.
قال ابن عرفة: وهذا على مذهبه في أن العبد يستقل بفعله ونحن نقول: المراد ثبت أقدامنا حقيقة.
قوله تعالى: {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين}.
تنبيه على أن قتالهم إياهم إنما هو لوصف كفرهم لا لغرض دنيوي، وهنا محذوف مقدر أي فقاتلوهم فهزموهم.
وحكى ابن عطية هنا والزمخشري أن ايشي كان له ستة أولاد أحدهم داود وكان صغير السن فمر في طريقه بثلاثة أحجار، قال له: كل واحد منها خذني فَبِي تقتل جالوت فجعلها في مخلاته وطلب جالوت المبارزة، فقال طالوت: من يبرز فيقلته فأنا أزوجه بنتي وأحكمه في مالي؟ وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع والتأمت الحجارة فوضعها في المقلاع وسمى بالله وأداره ورماه فأصاب رأس جالوت فقتله وحزّ رأسه وجعله في مخلاته.
قال ابن عرفة: المقلاع شبه الوضف.
الزمخشري: وزوجه طالوت ابنته وروي أنه حسده وأراد قتله ثم تاب.
قيل لابن عرفة: كيف صحّ هذا وقد حكى الزمخشري عن بعضهم أنّ طالوت نبي. والنّبي معصوم؟
فقال: الأكثر على أنّه غير نبي وقد تاب من هذا، ومعلوم ما فيه.
قال ابن عرفة: وهذه الآية يرد بها على الكوفيين في قولهم: إن الواو تفيد الترتيب لأن المفسرين نقلوا هنا أنّ الهزيمة إنما كانت بعد أن قتل داود جالوت فحينئذ انهزموا وتفرقوا. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}.
هذه هي الشحنة الإيمانية لمن يريد أن يواجه عدوه فهو ينادي قائلا: {ربنا} إنه لم يقل: يا الله، بل يقول: ربنا؛ لأن الرب هو الذي يتولى التربية والعطاء، بينما مطلوب الله هو العبودية والتكاليف؛ لذلك ينادي المؤمن ربه في الموقف الصعب يا ربنا أي يا من خلقتنا وتتولانا وتمدنا بالأسباب، قال المؤمنون مع طالوت: {ربنا أفرغ علينا صبرا}. وعندما نتأمل كلمة {أفرغ علينا صبرا} تفيدنا أنهم طلبوا أن يملأ الله قلوبهم بالصبر ويكون أثر الصبر تثبيت الأقدام {وثبت أقدامنا} حتى يواجهوا العدو بإيمان وعند نهاية الصبر وتثبيت الأقدام يأتي نصر الله للمؤمنين على القوم الكافرين، وتأتي النتيجة للعزم الإيماني والقتال في قوله الحق: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}. اهـ.

.فائدة بلاغية:

قال ابن عاشور:
عبروا عن إلهامهم إلى الصبر بالإفراغ استعارة لقوة الصبر فإن القوة والكثرة يتعاوران الألفاظَ الدالة عليهما، كقول أبي كبير الهذلي:
كثير الهوى شَتَّى النوى والمسالك

وقد تقدم نظيره، فاستعير الإفراغ هنا للكثرة مع التعميم والإحاطة وتثبيت الأقدام استعارة لعدم الفرار شبه الفرار والخوف بزلق القدم، فشبه عدمه بثبات القدم في المأزق. اهـ.

.فوائد لغوية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {بَرَزُواْ لِجَالُوتَ} في هذه اللام وجهان:
أحدهما: أنَّها تتعلَّق ب {برزوا}.
والثاني: أنها تتعلَّقُ بمحذُوفٍ على أَنَّها ومجرورها حالٌ من فاعل: {بَرَزوا} قال أبو البقاء: وَيَجُوزُ أن تكُونَ حالًا أي: برزوا قاصِدِين لِجَالُوتَ. ومعنى برزوا: صاروا إلى بَراز من الأرض، وهو ما انْكَشَفَ منها وَاسْتَوَى، وسميت المبارزة لظهور كُلّ قرنٍ لصاحبه. اهـ.

.قال الفخر:

الإفراغ الصب، يقال: أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه، وأصله من الفراغ، يقال: فلان فارغ معناه أنه خال مما يشغله، والإفراغ إخلاء الإناء مما فيه، وإنما يخلو بصب كل ما فيه.
إذا عرفت هذا فنقول قوله: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه، وهذا يدل على التأكيد والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه، وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى: أفرغ علينا صبرًا: أي أصبب علينا أتم صب وأبلغه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (251):

قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم رتب على ذلك النتيجة حثًا على الاقتداء بهم لنيل ما نالوا فقال عاطفًا على ما تقديره: فأجاب الله سبحانه وتعالى دعاءهم: {فهزموهم} مما منه الهزيمة وهو فرار من شأنه الثبات- قاله الحرالي، وقال: ولم يكن فهزمهم الله، كما لهذه الأمة في {ولكن الله قتلهم} [الأنفال: 17] انتهى.
{بإذن الله} أي الذي له الأمر كله.
ثم بين ما خص به المتولي لعظم الأمر بتعريض نفسه للتلف في ذات الله سبحانه وتعالى من الخلال الشريفة الموجبة لكمال الحياة الموصلة إلى البقاء السرمدي فقال: {وقتل داود} وكان في جيش طالوت {جالوت} قال الحرالي: مناظرة قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] وكان فضل الله عليك عظيمًا- انتهى.
وفي الزبور في المزمور الحادي والخمسين بعد المائة وهو آخره: صغيرًا كنت في إخوتي، حدثًا في بيت أبي، راعيًا غنمه، يداي صنعتا الأرغن، وأصابعي عملت القيثار، من الآن اختارني الرب إلهي واستجاب لي وأرسل ملاكه وأخذني من غنم أبي ومسحني بدهن مسحته إخوتي حسان وأكرمني ولم يسر بهم الرب، خرجت ملتقيًا الفلسطيني الجبار الغريب فدعا علي بأوثانه فرميته بثلاثة أحجار في جبهته بقوة الرب فصرعته واستللت سيفه وقطعت به رأسه ونزعت العار عن بني إسرائيل.
{وآتاه الله} بجلاله وعظمته {الملك} قال الحرالي: كان داود عليه الصلاة والسلام عندهم من سبط الملك فاجتمعت له المزيتان من استحقاق البيت وظهور الآية على يديه بقتل جالوت، قال تعالى: {والحكمة} تخليصًا للملك مما يلحقه بفقد الحكمة من اعتداء الحدود انتهى.
فكان داود عليه الصلاة والسلام أول من جمع له بين الملك والنبوة {وعلمه} أي زيادة مما يحتاجان إليه {مما يشاء} من صنعة الدروع وكلام الطير وغير ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

المعنى: أن الله تعالى استجاب دعاءهم، وأفرغ الصبر عليهم، وثبت أقدامهم، ونصرهم على القوم الكافرين: جالوت وجنوده وحقق بفضله ورحمته ظن من قال: {كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وهزموهم بِإِذُنِ الله} وأصل الهزم في اللغة الكسر، يقال سقاء منهزم إذا تشقق مع جفاف، وهزمت العظم أو القصبة هزمًا، والهزمة نقرة في الجبل، أو في الصخرة، قال سفيان بن عيينة في زمزم: هي هَزْمَةُ جبريل يريد هزمها برجله فخرج الماء، ويقال: سمعت هزمة الرعد كأنه صوت فيه تشقق، ويقال للسحاب: هزيم، لأنه يتشقق بالمطر، وهزم الضرع وهزمه ما يكسر منه، ثم أخبر تعالى أن تلك الهزيمة كانت بإذن الله وبإعانته وتوفيقه وتيسيره، وأنه لولا إعانته وتيسيره لما حصل ألبتة ثم قال: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن داود عليه السلام كان راعيًا وله سبعة إخوة مع طالوت فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم إيشًا أرسل ابنه داود إليهم ليأتيه بخبرهم، فأتاهم وهم في المصاف وبدر جالوت الجبار وكان من قوم عاد إلى البراز فلم يخرج إليه أحد فقال: يا بني إسرائيل لو كنتم على حق لبارزني بعضكم فقال داود لإخوته أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف؟ فسكتوا، فذهب إلى ناحية من الصف ليس فيها إخوته فمر به طالوت وهو يحرض الناس، فقال له داود: ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف؟ فقال طالوت: أنكحه ابنتي وأعطيه نصف ملكي فقال داود: فأنا خارج إليه وكان عادته أن يقاتل بالمقلاع الذئب والأسد في الرعي، وكان طالوت عارفًا بجلادته، فلما هم داود بأن يخرج رماه فأصابه في صدره، ونفذ الحجر فيه، وقتل بعده ناسًا كثيرًا، فهزم الله جنود جالوت {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} فحسده طالوت وأخرجه من مملكته، ولم يف له بوعده، ثم ندم فذهب يطلبه إلى أن قتل، وملك داود وحصلت له النبوة، ولم يجتمع في بني إسرائيل الملك والنبوة إلا له. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} وذلك أن طالوت الملك اختاره من بين قومه لقتال جالوت، وكان رجلًا قصيرًا مِسقامًا مِصفارًا أصغر أزرق، وكان جالوت من أشدّ الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده.
وهو داود بن إيشَى بكسر الهمزة، ويُقال: داود بن زكريا بن رشوى، وكان من سِبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السَّلام، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوّة والملك بعد أن كان راعيًا وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنمًا، وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت؛ فلما حضرت الحرب قال في نفسه: لأذهبنّ إلى رؤية هذه الحرب، فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه: يا داود خذني فبي تقتل جالوت، ثم ناداه حَجَر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخِلاته وسار، فخرج جالوت يطلب مبارِزًا فكَعّ الناس عنه حتى قال طالوت: من يَبْرُز إليه ويقتله فأنا أزوّجه ابنتي وأحكِّمه في مالي؛ فجاء داود عليه السَّلام فقال: أنا أبرز إليه وأقتله، فازدراه طالوت حين رآه لصغر سِنِّه وقصره فردّه، وكان داود أزرق قصيرًا؛ ثم نادى ثانية وثالثة فخرج داود، فقال طالوت له: هل جرّبت نفسك بشيء؟ قال نعم؛ قال بماذا؟ قال: وقع ذئب في غنمي فضربته ثم أخذت رأسه فقطعته من جسده.
قال طالوت: الذئب ضعيف، هلى جرّبت نفسك في غيره؟ قال: نعم، دخل الأسد في غنمي فضربته ثم أخذت بلحييه فشققتهما؛ أفترى هذا أشدّ من الأسد؟ قال لا؛ وكان عند طالوت دِرْعٌ لا تستوي إلاَّ على من يقتل جالوت، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت؛ فقال طالوت: فاركب فرسي وخذ سلاحي ففعل؛ فلما مشى قليلًا رجع فقال الناس: جَبُن الفتى! فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويُعِنِّي عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكنِّي أحب أن أُقاتله على عادتي.
قال: وكان داود من أرْمَى الناس بالمِقْلاع، فنزل وأخذ مِخْلاته فتقلّدها وأخذ مقلاعه وخرج إلى جالوت، وهو شاكٍ في سلاحه على رأسه بيضة فيها ثلاثمائة رطل، فيما ذكر الماوردي وغيره؛ فقال له جالوت: أنت يا فتى تخرج إلي! قال نعم؛ قال: هكذا كما تخرج إلى الكلب! قال نعم، وأنت أهون.
قال: لأطعمنّ لحمك اليوم للطّيْر والسِّباع؛ ثم تدانيا وقصد جالوت أن يأخذ داود بيده استخفافًا به، فأدخل داود يده إلى الحجارة، فرُوي أنها التأمَتْ فصارت حجرًا واحدًا، فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله، وحز رأسه وجعله في مِخلاته، واختلط الناس وحمل أصحاب طالوت فكانت الهزيمة.
وقد قيل: إنما أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه، وقيل: عينه وخرج من قفاه، وأصاب جماعة من عسكره فقتلهم.
وقيل: إن الحجر تفَتّت حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه؛ وكان كالقبْضَة التي رمى بها النبي صلى الله عليه وسلم هَوَازن يوم حُنَيْن، والله أعلم.
وقد أكثر الناس في قصص هذه الآي، وقد ذكرت لك منها المقصود والله المحمود. اهـ.